أنواع الهجرة
عرفنا فى السابق قضايا اللاجئين والأسباب التى دفعت هؤلاء الى ترك أوطانهم قهرا نتيجة للظلم السياسى والاجتماعى، وعوامل أخرى عدة كانت كلها دوافع لترك البلاد والذهاب الى غياهب المجهول.
فلا سند ولا مأوى يأويهم ولا من جهة تتولى رعاية هؤلاء سوى منظمات حقوقية تابعة للأمم المتحدة وفقط.
وحينما تمخض العالم تمخض ظلما وجورا نتيجة لصراعات على مصالح ضيقة لا تنبت الا التفرقة وعدم التوحد، وتأتى بهؤلاء القلة والتى تتحكم وحدها فى مقدرات الشعوب لامتلاكها مصادر الثروة، فلا حكم ولا عادل يفرق بين الحق والظلم، الظالم والمظلوم، الغنى والفقير.
انما بنى أركان النظام العالمى على اقتصاد السوق، ذلك الاقتصاد والذى قد بنى على الرأسمالية والتى لا ترحم بل تقضى على الأخضر واليابس، فكانت الثروة فى يد قلة تحكم عالم لا يعرف الا القوى ودون رحمة.
الهجرة نوعان
وموضوع حديثنا اليوم ليس عن أنواع الهجرة بالتحديد، ولكن سيكون محور اهتمامنا حول نوعين فقط من الهجرة معى التركيز على الدوافع والتى أدت الى ذلك، والمقصود بالهجرة هنا هذة المرة هى هجرة العقول والكفاءات من بلد المنشأ أو مسقط الرأس، ليس دافعه اضطراريا وانما لتردى الحالة الاقتصادية وانخفاض مستويات الدخول.
الهجرة الغير شرعية
يدفع اليها البشر دفعا وعن غير رضا، ويحدث ذلك لسوء الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد تحدث نتيجة للحروب والاضطهاد الدينى والعرقى والسياسى ومحاولات التضييق على هؤلاء وبشتى الطرق.
يرحل هؤلاء عن مسقط رأسهم وليس فى أذهانهم الا أين سيذهبون وماذا سيأكلون، وقد يفقد هؤلاء ذويهم من الأطفال والنساء لطول السفر ودون أية حماية تقوم على رعايتهم، ويطلق على هؤلاء اللاجئين.
تضييق الأرض بهم ذرعا ويصبحون حملا على دولا وبلدان كثيرة، يلقون من الاضطهاد ما يساوى ما كانوا يلقونه فى بلادهم بل وأكثر، فلا عدل فى عالم قامت أركانه على الظلم وانعدام المساواة، يضطر هؤلاء الى الهجرة وبطرق غير شرعية ودون اتخاذ أية اجراءات للسفر نتيجة لسوء الأوضاع.
الهجرة الشرعية
والمقصود بها هى نوع الهجرة والذى يتخذه كثيرا من الشباب فى بلدان كثيرة لدوافع كثيرة، يعمد هؤلاء الى ترك أوطانهم نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية واهمال مثل هذة الطبقات من الجانب الحكومى والرسمى داخل البلد، وهناك كذلك دوافع عدة أدت الى هؤلاء الى ترك أوطانهم والتى منها:-
- تشوه الاقتصاد.
- انخفاض مستويات الدخول.
- الاهتمام بفئات على حساب فئات أخرى.
- السفر أملا فى أوضاع اقتصادية أفضل.
كثير من دول العالم لا يكون لديها استراتيجية اقتصادية واضحة من حيث وجود مجموعة من الخبراء، هؤلاء والذين ليس لديهم خطة صحيحة أو رؤية سليمة للنهوض باقتصاد البلاد.، كل هة الظروف قد تؤدى فى النهاية الى سوء الأوضاع وانعدام المساواة وعدالة التوزيع.
يظهر جيل على الساحة ناقم على هذة الأوضاع، وقد يكون ذلك الجيل من خيرة أبناء الوطن من الكفاءات، تلك الكفاءات والتى قد لا تجد الداعم لا فتصاب بالاحباط ويصبح المستقبل لديها غامضا ومشوب بالفشل.
هجرة الكفاءات
وبحسب تقارير دولية أثبتت أن هناك ملايين من سباب الخريجين وحملة رسائل ماجستير ودكتوراة، هؤلاء والذين عملوا بجد ولكن صدموا بالواقع بعد ذلك، واقع لا يتوافق مع خبراتهم وميولهم لتنمية هذة الخبرة والعمل على دعم هؤلاء وبكل السبل، فكانت الهجرة هى مصيرهم.
اضطر هؤلاء الى ترك بلد المنشأ فى محاولة لايجاد ما يسعون اليه من أهداف لم يحصلون عليها فى أوطانهم، ولكن الهجرة هذة المرة هى هجرة شرعية رسمية وبمستندات وأوراق سفر معتمدة، تسافلر تلك الكفاءات الى من يعرف قدرهم ويوليهم مزيدا من الاهتمام.
الهجرة من الجانب الاقتصادى
كيف لك أن تتخيل أن تنفق الدول والحكومات على أبناءها المليارات من الدولارات من صحة وتعليم.. الخ، ثم ما تلبث أن تهاجر تلك الكفاءات الى بلدان مجاورة لتقديم خلاصة هذة الخبرة لغير أوطانهم، فيصبح بلد المنشأ بلدا خاسرا من الناحية الاقتصادية لا شك نتيجة لفقد هؤلاء.
ويصبح بلد طارد للكفاءات ولا سبيل له الا اعادة ترتيب أولويات، فتوفير الوظائف المناسبة لهؤلاء يجب أن يكون على قمة الأولويات أولا، هذا ولو فرضنا ضعف الاقتصاد فالاهتمام بهذة الفئة يعد ربحا لا شك، فما تنفقه هذة الدول على أبناءها طيلة سنوات عدة من صحة وتعليم وخدمات يعد اهدارا للمال فقط.
نعم اهدارا لأموال لم يأت عائد منها بعد ذلك، فهل يعد ذلك استثمارا؟.
وعلى الجانب الأخر فتوفر الدول المستقبلة لهذة الكفاءات الدعم المادى والمعنوى وعلى جميع المستويات، وبحسب تقارير اقتصادية تفيد بأن ما يلامس ثلث هذة الكفاءات موزع القارة العجوز، اضافة الى كندا والولايات المتحدة ودول شرق أسيا.
التجربة الفنزويلية
هذا وتعد فنزويلا خير مثال على ذلك، فقد بدأ هذا البلد بخطوات محسوبة وسليمة ومنذ البداية، فبدأت بالاهتمام بالتعليم والصحة فقامت بتحسين أجور المعلمين والأطباء فى المقام الأول، يلى ذلك بقية الفئات الأخرى داخل المجتمع الفنزويلى فكانت نهضة شعب بدأ من الصفر.
وتحاكى قصة نجاح الحكومة الفنزويلية قصة نجاح الشعب اليابانى خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ذلك المجتمع والذى انغلق على نفسه طيلة عشرون عاما كاملة، كان الدمار والخراب هو رمز ذلك البلد والذى عانى كثيرا بعد هذة الحرب، ثم بدأ بالتعليم والبحث العلمى على اعتبار أن نهضة المجتمعات انما تأت أولا بالعلم والتعليم.
ان الاهتمام الحكومى ذلك والذى يجب أن يبدأ بالمورد البشرى، ذلك المور والذى يتمثل فى تنمية الانسان والذى يعد هو محور أى تنمية، بل ويعد أحد دعائم الاقتصاد الناجح لأى بلد كونه يهتم أولا بأهم عناصر التنمية.
ومن المنظور الاقتصادى البحت فلا يختلف خبراء الاقتصاد حول عدم وجود فارق كبير بين نوعى الهجرة، فالذى هاجر قهرا وظلما لا يختلف عن هؤلاء الكفاءات من أبناء المجتمع نتيجة لتدنى الدخول وسوء الحالة الاقتصادية والاجتماعية.
وتلك النظرة تلقى تقديرا من جانب الدول المتقدمة بكل تأكيد، اذ تدرك هذة الدول أن الاهتمام بأصحاب المواهب والكفاءات من الشباب هو أساس الاستثمار، وتدرك كذلك أن توفير فرص عمل وبيئة عمل مناسبة لهؤلاء انما سيأت بعائد أكبر مستقبلا، ذلك العائد والذى سيأتى من خلال الزيادة فى الانتاجية والنمو الاقتصادى.
ان فكرة النمو الاقتصادى انما تعتمد على خطط واستراتيجيات واضحة، وهذة الخطط ستأتى حتما من خلال صفوة الخبراء فى عالم الاقتصاد وليس للمحسوبيات دورا فى هذا الصدد، لا تتعجب، ان المجاملات والمحسوبيات تعد هى المعيار الأول لشغل المناصب الهامة خاصة فى الدول النامية.
أما معيار الكفاءة فى شغل المنصب انما يركه ويعيه جيدا دول العالم المتقدم، تلك البلدان والتى أدركت ومنذ البداية أن الكفاءة والابداع هى دعائم أى اقتصاد ناجح، فبدأت تلك الدول والتى سبقت غيرها تقدما وبأكثر من مائتى عام كاملة، فلا وجه مقارنة بين الاقتصاد الألمانى باقتصاد دولة نامية على سبيل المثال..
خلاصة
وبالحديث عن أنواع الهجرة فقد أوجزناها فى نوعين فقط وبالرغم من وجوهها وأنواعها المتعددة، والمقصود هنا هو اما أن يهجر الانسان موطنة الأصلى عنوة وعن غير رضا باحثا عن وطن يجد فيه الأمان، واما أن يترك بلده طوعا وعن طيب نفس نتيجة لتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بحثا عن ظروف معيشية أفضل، فها نحن نحتاج الى مراجعة شاملة تبدأ بالمورد البشرى والمتمثل فى الانسان محور التنمية الاقتصادية.
شرفنا بتواجدكم معنا.. تعليقاتكم بناء ونهج نسير عليه